عدد المساهمات : 1905تاريخ التسجيل : 23/06/2010العمر : 27
موضوع: منهجيات التعامل مع القرآن الثلاثاء نوفمبر 22, 2011 5:49 am
منهجيات التعامل مع القرآن
أ.د. صلاح الدين سلطان أكرر تهنئتي لإخواني وأحبابي في الله الذين ذهبوا إلى حج بيت الله الحرام، سائلاً الله تبارك وتعالى أن يجعل دعاءنا لهم مقبولاً، ودعاءهم لنا مقبولاً بإذن الله تبارك وتعالى. والحقيقة موضوعنا اليوم.. هو القرآن، وعندي حالة اندهاش عجيبة جدًّا في الفرق الهائل بين أثر القرآن في جيل التلقي، وأثر القرآن في جيلنا نحن. أحيانًا تجد حفاظا للقرآن الكريم كله لا يتحرك بهم القرآن خطوة نحو التغيير، في حين أن خمسة آيات من سورة "طه" حولت سيدنا عمر بن الخطاب من رجل يريد قتل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم- إلى رجلٍ في اللحظات الأولى، يقول: ألسنا على الحق، أليسوا على الباطل، فلماذا نعطي الدنية في ديننا؟ هذا التغيير الضخم في حياة رجل مثل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقد بكى عمر يومًا وضحك، فقيل له: ما أضحك وأبكاك؟، قال: تذكرت يوم أن قتلت ابنتي وهي حية، عمر بالقرآن كان يبكي عندما يسمع بكاء طفل من رعيته، لكنه لم يرق في الجاهلية لابنته بنت السنوات الست، ودفنها وهي حية، ثم ضحك لأنه تذكر أنه كان يعبد صنمًا، قال: كنت أعبد صنمًا من عجوة، كلما جعت أكلته، وصنعت غيره، كيف عقلي وأنا عمر، كيف كان يقبل هذا كله؟ ثم تحول عمر بالقرآن إلى شيء آخر، هذا نموذج من أمثلة عديدة في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-ـ لقد كانوا يهيمون بالخمر، ويقول أحدهم: ألا فاسقني خمرًا وقل لي هي الخمر… ولا تسقني سرًّا إذا أمكن الجهر لكن لما حرمت الخمر قالوا:أرق هذه القلال يا أنس. أحد الإخوة قال لي:منذ ثلاثة وعشرين سنة وأنا أقنع زوجتي بالحجاب، سبحان الله!!، كيف بهذه الأخت عندما تتلى عليها آيات الله - عز وجل- (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ). القرآن صرنا نقدم به المناسبات، ونختم به الحياة في الممات، ونتبرك به في البيوتات والسيارات، وما لهذا أُنزل القرآن. الله -تبارك وتعالى- عبر عن رسالة القرآن فقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)، الهدى هو القرآن، ودين الحق هو القرآن والسنة. لا ليكون التزامًا شخصيًا في حارة من الحارات، أو في قاعة من القاعات، أو في بيت من البيوتات، وإنما (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، لكن المشكلة أننا نقرأ القرآن في المساجد، ونجد عكسه في الشوارع، بمجرد ما نخرج من محاضرتنا هذه على الباب، لن نجد للقرآن سلطانًا، فكأن سلطانه صار على قلوب بعض الناس، ولم يعد له سلطان في واقع أمة الإسلام.
هذه الآلية التي لا بد أن تتغير، كيف نتغير بالقرآن، وأن نتحول إلى إعلام بهذا القرآن، يعني نحن لما نرى الصحابة -رضوان الله عليهم- الرعاة يتحولون إلى سادة أمم، ويرتعش كسرى وقيصر من هؤلاء الأعراب، ليس لأنهم أعراب، ما هم كانوا موجودين، ويعملون عملاء لديهم، ويشغلونهم ضد بعضهم، تمامًا كما يجري الآن، لكن عندما عاشوا مع هذا القرآن، عاشوا معه بالليل وطبقوه بالليل والنهار، "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول القرآن: أي ربِ منعته النوم بالليل" منعته، يعني هَام بالقرآن حتى صار مثل العاشق، الذي يؤرقه الحب، فيقوم يشدوا، ويكتب شعرًا ونثرًا، أو يذكر: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل … بسقط اللوى بين الدهول فحوملِ منعته النوم بالليل، من شدة تعلقه بي، لكن هل هذه الآيات التي تقرأ في الليل، تتحول إلى ترانيم خاصة، لا تتجاوز تراقي الإنسان "رب قارئ للقرآن، والقرآن يلعنه". عندما أجد حافظًا للقرآن، أو قارئًا للقرآن، أو ماهرًا بالقرآن، لا ينتفض لما يجري لأهل الإسلام، أقول: هل بحق قرأ القرآن أم لم يفعل؟ هذا القرآن العظيم الذي يصنع الواقع والحياة، ليس هو الذي يُجمل الحياة ببدايات ونهايات، وبركات، لا، ما لهذا أنزل القرآن، وإن كان هذا جائزًا. لكن الصناعة الخاصة التي يجب أن تصنع الإنسان.
أذكر كنت في أيرلندا في المجلس الأوروبي للإفتاء، وأنا عائد من أيرلندا إلى لندن، لأذهب إلى أمريكا، لم ألاحظ أحدا قريبا مني، لما نادوا علي دخلت الطائرة، وعندما جلست كان كرسيي في المنتصف، عن يميني امرأة، وعن شمالي رجل، فقلت أبدأ أتكلم مع الرجل أدعوه إلى الله، فوضع رأسه لكي ينام. فبدأت أفكر في مدخل لهذه المرأة للحديث معها، وبينما أفكر إذا بها عاجلتني بسؤال، فقالت وأنت في المطار كنت تقرأ شيئا ، وما كنت تقرؤه لامس قلبي، وهي لا تعرف شيئا عن اللغة العربية، سبحان الله إنه القرآن كلام الله تعالى المنزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بلسان عربي مبين، المتعبد بتلاوته، المروي بالتواتر، المتحدي بأقصر آية من آياته، وببساطة شديدة قلت لها: أنا كنت أقرأ القرآن وهو رسالة الله إليك، وإلى الناس جميعًا ليسعدوا في الدنيا والآخرة. كل الناس تبحث عن السعادة، والقرآن هذه وظيفته، ولو لم يكن من عند الله؛ لما أحسست بالرجفة التي في قلبك والميل الشديد إليه؛ لأنك أنت فيك من روح الله، وهذا القرآن منزل من الله, الذي خلق الروح الموجودة فيكِ. المرأة كانت لا تؤمن بوجود إله أصلاً، لم ننزل بالطائرة إلا وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قلت لها: ممكن تتكرمي تقفي دقائق في مطار "هيثرو" في لندن اشتري لك بعض الكتب وترجمة للمصحف باللغة الإنجليزية، قالت لي: شكرًا أنت قمت بواجبك |، هذه مسئوليتي إذا أنا لم اشتر أول نسخة للقرآن من مالي فأنا غير صادقة في إسلامي الجديد، ثم كررت العبارة الأولى التي هي هذه رسالة الله إلي، وإلى الناس جميعًا ليسعدوا في الدنيا والآخرة، أنا الذي يجب أن أبحث عنه. مشكلتنا هي أننا عندنا واقع علماني فصل الدين عن الدولة، وهذا الواقع العلماني فرض نفسه، الواقع العلماني منهجه الله له الخلق، ونحن لنا الأمر، نحن الذين نسير الحياة، وبالتالي القرآن والإنجيل والتوراة هذه كتب للتعبد الشخصي، فحولوا الله إلى شركة تأمين، طالما أنك تسير بسيارتك جيدا، فأنت لا تحتاج شركة التأمين، عندما تُصاب سيارتك تتصل بشركة التأمين وهم يغطوا لك الخسائر، فنحن نريد ربنا شركة تأمين بالنظام العلماني، وعندما يأمرنا الله بشيء نقول له: لازم تنتظرنا نحن مشغولون، عندنا شغل كثير في حاجات كثيرة، ما لهذا أنزل القرآن. القرآن نزل ليغير، فلا بد من إعادة النظر والتأمل عندما نسمع كلام الله، فهناك واجبات كثيرة، لا نقوم بها، وجرمها عند الله ربما أكثر ممن يفعل المحرمات، لأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يستوجب غضبة الله تبارك وتعالى، وفي الحديث: "إذا ارتكبت المعصية في الأرض، كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن فعلها". "كنتم خير أمة أخرجت للناس" لماذا؟ (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، لماذا جعلنا القرآن عضين؟ القرآن تعرض بالنسبة لنا إلى عدد من الأشياء، الحلول هي عكسها. 1ـ عدم الفهم.. لما جاء اللورد كرومر إلى مصر، قال: جئت لأهدم ثلاثة: 1 ـ القرآن. 2ـ الكعبة. 3ـ الأزهر. وأعدوا خططا من 1881م إلى 1906م وجدوها فاشلة، وعقدوا اجتماعا على بعد أمتار من الأزهر، وقالوا: أول ضربة للقرآن أن نغيب اللغة العربية من عقول المسلمين، ونشجع العامية، ونستهزأ بمدرس اللغة العربية، ونجعل مادة اللغة العربية مادة غير أساسية، وقد كان. فأصبح يقرأ القرآن ولا يُعلم جوهر هذه الرسالة، فأصبح بيننا وبين القرآن حجاب، اللغة العربية ليست لغة متخصص في اللغة العربية، مدرس لغة عربية، الإخوة الذين لا يعرفون كمبيوتر أخذوا دورات كمبيوتر لكي يجدوا فرصة عمل، والذين لا يعرف اللغة الإنجليزية تعلم الإنجليزية. فيجب أن يكون فيه قوة إحساس بلغة القرآن، حتى تستطيع أن تؤثر وتغير، بل أن تتدبر القرآن؛ لأن فيه علوم آلات، آلة فهم القرآن اللغة العربية. لابد أن نعطي أولادنا جرعات مكثفة في اللغة العربية، غير الجرعات الهزيلة الرديئة في المدارس والجامعات، نعتبر هذه مسألة حيوية ضرورية، اللغة العربية لغة انتماء، واللغات الأخرى تبقى لغات استعمال للحاجة والعمل، والقراءة، لكن والله ما كان هذا القرآن ألصق يومًا بعقلي وقلبي ووجداني كما كان بعد أن درست اللغة العربية بحب وبشغف.
فأقول يا إخواني إن حاجزا بينا وبين القرآن ما لم ندرس العربية جيدًا، إذن اللغة العربية الحاجز الأول. الحاجز الثاني: هو الالتفات إلى الكم، دون الكيف، يقول لك: أنا ختمت القرآن ثلاث مرات في رمضان، كل شهر أختم مرة، أو كل أسبوعين أختم مرة، هذا جيد، لكن هل لك وقفات (ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). فيه نهي أصلاً أن الإنسان يقرأ القرآن وهمه إلى أن يصل إلى آخر السورة أو الجزء، الاهتمام بالكم على حساب الكيف صار ديدنًا عامًا. يبقى واحد اللغة العربية عنده مضروبة، فعلاقته بالقرآن علاقة لسانية ليست علاقة فكرية، قلبية عميقة. فلذلك فيه حاجز بينه وبين التدبر؛ لأنه ماشي بسرعة. هناك ثلاث منظومات رئيسية تجعل صلتنا بالقرآن تختلف تمامًا، ويعني فيه قصة لا أنساها، كنت أخطب الجمعة في مسجد في مونتريال في كندا، وبعد ما خلصت الخطبة، العادة كما نعلم هكذا فيه ناس بتسلم، وناس بتركن، بتركن يعني عنده سؤال. كام واحد ركنوا وعندهم سؤال، أجبتهم، بقى آخر واحد مستني، وبعدين جاء لي كده في أدب جم، والإخوة هؤلاء.. في الحقيقة المسجد، كان مسجد أكثرهم مغاربة، والمغاربة العاطفة عندهم قوية جدًّا، فكانوا يبكون في خطبة الجمعة بشكل شديد، والحقيقة كنت أنا متأثر جدًّا بما أقول في سورة الكهف. فهو جاء لي وقال لي يا دكتور أنا لي طلب، ممكن تساعدني فيه وتلبيه لي لو، قلت له: أنا عيني لك لو أستطيع، قال: ممكن تعلمني الغطس، غطس، نحن في المسجد! أعلمك الغطس كيف؟ قلت له: أي نوع من الغطس، قال: الغطس في القرآن، كما غطست بنا هكذا، قلت له: عندي لك وصفة ولكن بشرط، قال لي: خير، قلت: تغطس وتقب، هو طبعًا لم يفهم تغطس، فهمها ولكن "تقب" هي مصرية زيادة، قال: أقب يعني أيه؟ قلت له: يعني تطلع. يعني تغطس في القرآن تأخذ الدرر، وتطلع توزع على الناس، تكلم الناس، فيما استبان لك من هذه الدرر الربانية والمنح الربانية. قلت له: لك عندي وصفة تصلي الفجر وأنت ذهنك صافي ليس فيه زحمة الحياة، وتجني عقلك ووجدانك وقلبك أول شيء في اليوم، بقراءة وردك من القرآن مع ثلاث منظومات أساسية جاهزة للشغل، اللي هي إيه؟ بالعقل تدبرًا، بالقلب تأثرًا، بالنفس تغيرًا. الثلاث منظومات هذه ركائز أساسية، قلت له تعيش بهذه الأشياء، تجد قلبك يدق عند آية معينة وأنت تقرأ الورد القرآني، عش معها باقي اليوم، تعلق بهذه الآية. وأنت ذاهب وأنت عائد، اجعل هذه الآية على قلبك، مررها على عقلك وقلبك، ووجدانك بشكل دائم، هتبقى غطاس ماهر، والمعاني التي تستبين لك ارجع وقلها لأهلك لأولادك، لإخوانك في المسجد، يعني أوجد لها وعاءً، يبقى عندك حلقة قرآن أسبوعية، ومستمرة ولا تدعها أبدًا، لا تدعها، مهما كان الأمر، فتأخذ بهذه النصيحة هتبقى غطاس ماهر، وتقب وتطلع للناس برؤية، قال لي جزاك الله خيرا وانصرف.
يا إخواني هذا القرآن، لا يُعطي من يمر عليه مرور الكرام أبدًا، والإمام الشهيد حسن البنا له وصف أكثر من رائع، فقد كان رجلاً فعلاً موهوبًا في التعامل مع القرآن، قال: إن هذا القرآن مثل البحر، فيه ناس تذهب إلى سطح البحر وتشم هواء وتروح، وفيه ناس تنزل تضع رجلها في الماء، وممكن تتوضأ، فيه واحد أيه، يغتسل في البحر، وواحد ينزل قريب من الشاطئ هكذا فالإمام الشهيد يقول: ممكن واحد جانب الشاطئ يأتي الماء ليغتسل ويتبرد، وآخر يصطاد سمكا صغيرا، وثالث يصطاد سمكا كبيرا، وآخر يغوص ليحضر اللؤلؤ والمرجان، وهذا هو الفارق بين من يعيش معيشة سطحية مع القرآن، ومن يعيش معايشة عميقة، يتعمق في معنى الآيات، فيخرج الدرر، هذه الدرر تجعلك أغنى الناس بالقرآن. هذا القرآن يا إخواني.. يجب كل واحد له تخصص يعمل ربط وثيق ودقيق بينه وبيه هذا القرآن وهذه السنة، لازم، وأي واحد من حضراتكم حابب يشوف تخصصه، طب، هندسة، فلك، كيمياء، فيزياء، هيجدوا كبار علماء الأمة انطلقوا من هذا القرآن، وأن كثيرًا من الاكتشافات التي تنسب إلى الغربيين، هذه مسروقة من المسلمين ونسبت إلى غير المسلمين، ويفضح هذه السرقات بالجملة، مفكرون غربيون فضلاً عن أن يكون بعضهم مسلمين. مفكرون غربيون يقولون إن هذا الاكتشاف كان بيدرس في مدارس المسلمين ربعمائة سنة قبل ما يسرقه القسيس الفلاني، ويقال اختفى في الدير بتاعه شويه، واكتشف الدورة الدموية التي اكتشفها ابن النفيس، هؤلاء انطلقوا من القرآن، لأنهم تفرغوا، نعم، من أن يتفكروا في ذات الله، إلى أن يتفكروا في خلق الله كما أمر الله(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {3/190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ …) إلى آخر الآيات. تُرى لو أن المسلمين اليوم عندهم مسحة من عقل، لكان من المفترض أن يكونوا هم أول من يصعد القمر، (وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ) إيه؟ (كُلَّ مَرْصَدٍ) لكن صعد الروس، ووقف كندي ولم يكن عنده مال ولا علماء، لكن كان عنده إرادة، فقال نحن قررنا أن نصعد إلى القمر، لما ذهبت إلى وكالة "ناسا" الفضائية في فلوريدا، أول حاجة جعلونا نشاهدها قبل ما نتفرج على شيء كلمة كندي، كلمة طلعت بإرادة، شكل لها فريق، اتعمل لها مال، طلعوا القمر. ونحن كما يقول الشيخ كشك: نقرأ القرآن ونرجع نسمع: "يا أمَ القمر على الباب، يا أمَ أنادي له ولا أسك الباب". هذه أمة تقرأ القرآن، تترك أعداءها ينبغون في أي تخصص، أي تخصص، أنا أستحي من الله أن أكون مسلمًا أنتسب إلى القرآن، وأكون في أي تخصص ولست أفضل واحد فيه، وأرقى مستوى على وجه الأرض في هذا التخصص، كيف يسبقني إليه من يعبد الصليب، ومن يعبد الأصنام، ومن يعبد الهوى، وأنا عبد لله أتلو آيات الله ـ عز وجل ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عملا) وليس يحسن عملا. فنحن عندنا نظام كامل للفرد، للأسرة، للمجتمع، للدولة، للأمة، للعالم، لكل شيء، في هذا القرآن، إذا عاش الإنسان مع القرآن بالعقل تدبرًا بعد امتلاك الآلة، واللغة العربية، وتفكر وتدبر، ثم بالقلب تأثرًا، قلبه مثل الموج الذي يتعامل مع الرياح، الرياح هادئة، يعني أيه؟ تقرأ آيات عن الجنة تجد فيه كده نفس مطمئنة، إنما أول ما تدخل على عذاب الأمم السابقة، وعلى وعيد الله سبحانه وتعالى، تجد قلب الإنسان مثل الموج الذي ينتفض.
الجاحظ له عبارة أختم بها ، الجاحظ هذا توفي سنة 256 تقريبًا، يقول: إن الأمة الإسلامية محتاجة لإعادة نهضة جديدة؛ لأنه صار لها عقل العامة، ونفسية العبيد، وتبعية القطيع. الجاحظ يقول: الأمة بقيت عقولها فيها سطحية، لم يعد فيه عمق، والأمر الثاني: نفسيتها نفسية العبيد، الذي يرضى بالدون، نفسية العبيد، وتبعية القطيع، أي أحد يمشينا يمين، وشمال، والقرآن يقول غير ذلك:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ …)
ولم يقل (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) إلا إذا أطاع الله ورسوله، (وَأُوْلِي) لم يقل (وَأَطِيعُواْ) قال: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ثم يقول سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ)، الطاغوت هذا هو الهوى، والمزاج، والعرف، وضغط الوضع الذي نحن فيه، والخوف من السلطة، أو السلطة التي تخاف من أمريكا، (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) مصائب تحدث من وراء هذا، وتختم الآيات: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ). يبقى حكم في كل شيء (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).
حقيقة الموضوع ذو شجون، وذو فروع كثيرة، لكن أكتفي بهذا القدر، والحقيقة أنا جئت وأملي أن أنال أولاً دعاءكم، وأرجوكم بالله لا تجعلوا القرآن عضين، وأزيلوا الحجب بينكم وبين القرآن.
بدراسة اللغة، ثم عيشوا بهذه المنهجية الثلاثة: بالعقل تدبرًا، بالقلب تأثرًا ، وبالنفس تغيرا.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.