السؤال : هل يمكن للجن قراءة القرآن أم أنه حقيقة أنهم لا يستطيعون قراءة القرآن وإنما يذكرون الله فقط كالملائكة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
خلق الله الجن والإنس لعبادته فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ،
والجن كلهم مكلفون كالإنس ، منهم المؤمن ومنهم الكافر ، والمطيع والعاصي ،
ومقتضى هذا التكليف أن يقوموا بما أمرهم الله تعالى به من طلب العلم ،
والصلاة ، ولا يمكن أن تكون منهم صلاة بغير قراءة قرآن ، وقد ذكر الله
تعالى في كتابه الكريم أن منهم مَن سمع القرآن مِن النبي صلّى اللّه عليه
وسلّم وأنهم آمنوا به وذهبوا إلى قومهم مبشرين ومنذرين به ، قال تعالى (
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا
إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا
بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ) الجن/ 1 ، 2 ،
وقال تعالى ( وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا
قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا
سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ
يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) الأحقاف/
29 ، 30 ، وقد صحَّ في السنَّة النبويَّة ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم
لطائفة من الجن يعلمهم الشرع ويقرأ عليهم كتاب الله ، فعن عَلْقَمَة قال :
سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ : هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟
قَالَ : لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ
فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا
اسْتُطِيرَ أَوْ اغْتِيلَ ، قَالَ : فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ
بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ ،
قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ
فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ (
أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ
الْقُرْآنَ ) رواه مسلم ( 450 ) ، وكل ذلك يدل على أن الجن مكلفون فمن دخل
منهم في الإسلام فهم مأمورون بالصلاة وقراءة القرآن.
قال القرطبي – رحمه الله – في تفسير سورة " الرحمن " - :
هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطَبون
مكلَّفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ،
وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك .
" تفسير القرطبي " ( 17 / 169 ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وبالجملة : فهذا أمر معلوم باضطرار من دين الإسلام ، وهو يستلزم تكليف
الجن بشرائع ، ووجوب اتباعهم لهم ، فأما شريعتنا : فأجمع المسلمون على أن
محمَّداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الجن والإنس ، وأنه يجب على الجن
طاعته كما يجب على الإنس .
" طريق الهجرتين " ( ص 616 ، 617 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - :
الصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام : أنهم مأمورون منهيون مكلفون
بالشريعة الإسلامية ، وأدلة القرآن والسنَّة على ذلك أكثر من أن تُحصر .
" طريق الهجرتين " ( ص 619 ) .
وقال نجم الدين الطوفي – رحمه الله - :
والدليل على تكليف الجن بالفروع : الإجماع على أن النبي صلى الله عليه
وسلم أُرسل بالقرآن الكريم إلى الجن والإنس ، فجميع أوامره ونواهيه متوجهة
إلى الجنسين ، وهي مشتملة على الأصول والفروع ، نحو ( آمِنُوا بِالله )
الحديد/ 7 ، ( وأقيموا الصلاة ) البقرة/ 43 ، وقد تضمن هذا الدليل على أن
كفار الإنس مخاطبون بها ، وكذلك كفار الجن ؛ لتوجه القرآن بجميع ما فيه
إلى مؤمني الجنسين وكفارهم .
" شرح مختصر الروضة " ( 1 / 218 ، 219 ) .
وبه يُعلم أن قراءة القرآن من قبَل الجن لا بدَّ منها لأداء ما أوجبه الله
تعالى من تكليف بالصلاة ، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على
طائفة منهم تعليماً لهم ، وهو أمر في استطاعتهم ، وليس هناك ما يدل على
استحالته أو المنع منه .
قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - :
قال السُّبكي : وقد ورد في آثار كثيرة عن السلف أن جمعاً من الجن كانوا
يقرؤون القرآن عليهم ويتعلمون العلم ، وبالجملة التكليف شرطه العلم ؛ فما
علموه لزمهم ، وما لا فلا . انتهى كلام السبكي .
" الفتاوى الحديثية " ( ص 167 ) .
ثانياً:
قول السائل عن الملائكة الكرام إنهم لا يقرؤون القرآن وإنما يقومون بذِكر
الله تعالى ، لا نعلم دليلا عليه ؛ والملائكة خلْق غير مكلَّف تكليفاً
يثاب عليه ويُعاقب ، لا بصلاة ولا قراءة قرآن ، لكنهم خُلقوا لتنفيذ أوامر
الله تعالى في الكون ، وليَعبدوه تعالى ، وإن تلاوة كلامه تعالى القرآن
من العبادة ، فأي شيء يمنع تلاوتهم لكلامه تعالى ، وقد وجدنا اختلافاً بين
العلماء في هذا ، فنفى بعضهم قراءة الملائكة للقرآن ولم يمنع منها آخرون .
قال السيوطي – رحمه الله - :
قال ابن الصلاح في " فتاويه " : قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها البشر ،
فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك وأنها حريصة لذلك على استماعه من
الإنس.
" الإتقان في علوم القرآن " ( 1 / 358 ) .
وقد ذكر ابن حجر الهيتمي أن بعض أهل العلم قد اعترض على ابن الصلاح رحمه
الله وردَّ عليه قوله ، - وإن كان ظاهر كلامه أنه يوافق ابنَ الصلاح - ،
حيث قال :
لكن اعترضه غير واحد ، وساقوا من القرآن والسنَّة ما يعارضه ، ومِن ثَمَّ صرح غير واحد بخلافه .
" الفتاوى الحديثية " ( ص 113 ) .
والذي يظهر : أنه ليس هناك ما يمنع
من قراءة الملائكة للقرآن ، وقد ذكر بعض أهل العلم أن معنى قوله تعالى (
والتَّالِيَاتِ ذِكْراً ) أنهم الملائكة ، وهو قول مجاهد والسدي .
ومما يدل على ذلك : نزول جبريل عليه السلام بالقرآن تلاوة له على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومدراسته معه كل عام .
وليس قراءتهم له تكليفاً ، ولا لهم عليه أجر كما هو حال الإنس والجن ، لكنه من جملة ما يتقربون به لربهم عز وجل .
وقوله (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) يقول: فالقارئات كتاباً .
واختلف أهل التأويل في المعني بذلك ، فقال بعضهم : هم الملائكة .
... عن مجاهد ( فالتاليات ذكرا ) قال : الملائكة .
عن السدي ( فالتاليات ذكرا ) قال : هم الملائكة .
" تفسير الطبري " ( 21 / 8 ، 9 ) .
قوله تعالى ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة/ 97 ، ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرآنَ في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مِن غير سماع قراءة ، ونظيرها في ذلك قوله تعالى ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ ) الآية الشعراء/ 193 ، 194
، ولكنه بيَّن في مواضع أُخَر أن معنى ذلك : أن الملَك يقرؤه عليه حتى
يسمعه منه ، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه ، وذلك هو معنى تنزيله على
قلبه ، وذلك كما في قوله تعالى ( لا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ .
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
بَيَانَهُ ) القيامة/ 16 – 19 ، وقوله ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً )
طه/ 114 .
" أضواء البيان " ( 1 / 42 ) . 1. قال الطبري – رحمه الله - : 2. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب