أكد فضيلة الأستاذ الدكتور راغب السرجاني أن التاريخ هو
سلاحنا في بناء مصر، وأنه يجب علينا أن نعي سُنَّة الله في بناء الأمم
وسقوطها، وهذا لن يتأتى إلا بدراسة التاريخ الصحيح البعيد عن التزوير
والتشويه.
كما أكد فضيلته أن تزوير التاريخ هو عنوان لأكبر ما تعرض له المسلمون في
التاريخ، وهي جريمة قديمة حديثة مورست ضد المسلمين منذ القرن الثاني
الهجري.
وأضاف فضيلته: إن تزوير التاريخ عملية قد تستفيد من ورائها جهات معينة،
كتزوير الشيعة التاريخ السني لتحقيق مصالح معينة كانوا يجنونها في زمان
هؤلاء المزورين، فزوَّر الشيعة تاريخ الدولة الأموية والدولة العباسية.
وذكر فضيلته أن دوافع المزورين للتاريخ الإسلامي كثيرة، من أهمها ما
للتاريخ من أهمية وما يشكله من حجم كبير في حياة المسلمين، جعلت هؤلاء
المزورين يستغلون ما توفر لهم من إمكانيات لتزوير التاريخ، وخاصة التاريخ
الإسلامي.
وذكر الدكتور راغب السرجاني أن هناك مجموعة أسباب تجعل للتاريخ أهمية في حياة الأمة الإسلامية، وذكر فضيلته منها:
أن التاريخ يوضح لنا السنن، أو ما يسمى بعوامل النصر وأسباب السقوط أو
أسباب التمكين وغيرها من النظريات التي أطلق الله تعالى عليها لفظ "السنة"،
فقال تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].
وأوضح فضيلته -خلال محاضرة له ضمن سلسلة جريمة تزوير التاريخ والتي يلقيها
أسبوعيًّا بمسجد الرواس- أن سنن الله تعالى تظهر بوضوح في القصص الحقيقية
صحيحة الرواية والسند على خلاف الروايات المزورة في التاريخ، وأضاف فضيلته
أن على علماء الأمة أن يتحققوا من صحة ما يلقونه على الناس في الدروس
والخطب والمحاضرات.
وفي تجربة شخصية، ذكر فضيلة الدكتور راغب السرجاني أنه خلال تحقيقه لموقعة
صفين في كتاب تاريخ الطبري وجد أن الكتاب يحتوي على 113 رواية، وبعد
التحقيق اكتشف فضيلته أن 99 رواية منها مكذوبة، والباقي بعضها صحيح وبعضها
ضعيف.
وأشار فضيلته أن من مخاطر تزوير التاريخ ضرب الرموز الإسلامية، فلن تجد
رمزًا مسلمًا إلا وفيه طعن مباشر، وعلى سبيل المثال الطعن في خالد بن
الوليد وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- نظرًا لجهودهما في نشر الإسلام،
وكذلك الطعن في الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية، وغيرها
من الدول الإسلامية التي كان لها شوكة على أعداء الإسلام.
وعن أزمات الأمة الحالية، ذكر فضيلة الدكتور راغب السرجاني أن من عوامل
خروج الأمة من أزمتها هي دراسة التاريخ الصحيح غير المزور، فالتاريخ
الإسلامي الصحيح مليء بالسنن الربانية التي توضح سنن الله في النصر
والتمكين، وإن أعظم هذه القصص ما هو في القرآن الكريم الذي حفظه الله من
التزوير، يليه قصص السيرة النبوية المعلومة الصحة سندًا ومتنًا.
وأضاف فضيلته: إن من أهمية التاريخ أنه يضيف إلى عمر الإنسان أعمارًا
كثيرة، ويضيف إلى خبرة الإنسان خبرات وتجارب عديدة ومتنوعة، وأشار فضيلته
إلى حاجة الأمة الآن إلى دراسة التاريخ دراسة متأنية، وخاصة من قِبل صناع
القرار والحكام.
وأوضح فضيلة الدكتور راغب السرجاني أنَّ من أهمية دراسة التاريخ أنه يساعد
المسلم على فهم الدين، وخاصة أن قواعد الإسلام تُفهم بجلاء ووضوح أكثر من
خلال القصص، وخاصة قصص السيرة النبوية والخفاء الراشدين، ففيها السنن
الكثيرة، وذلك لقول الرسول : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
عضوا عليها بالنواجذ"[1].
وعن واجب العلماء في الدفاع عن تاريخ الأمة ورموزها، أوضح فضيلته أن أقلام
العلماء يجب أن تصدح بالحق، وأن تبين الحق في مواجهة الباطل والتزوير؛ فعن
جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "إذا لعن آخر هذه
الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما
أنزل على محمد"[2].
وختم فضيلته بقوله: "التاريخ كنز لا نهاية له ولا حدَّ له"، ودعا المسلمين إلى بناء تاريخ وحضارة مجيدة من خلال دراسة التاريخ.