ويعرف إلي الآن كيف يركب ثانيا رأسا قد قطع,
ويعرف كيف يجعل الأسد يتبعه وحبله يجر علي الأرض,
ويعرف عدد الأقفال التي يحتوي عليها معبد تحوت.
ولم يتمالك خوفو نفسه من الدهشة وقال: أسرع يا حور ددف وأحضر لي هذا الساحر فورا.
وسافر حور ددف إلي حيث يقيم الساحر واستقل مركبا أوصله إلي جد ـ سنفرو.
واستطاع بعد رحلة طويلة أن يقابل الساحر ددي
وبدأ الأمير يشرح لنا هذه المقابلة ويصف لنا شكل الساحر ويتحدث عن عدد أرغفة العيش الملقاة أمامه وأقداح الجعة.
وافق الساحر علي المثول أمام الملك وركب المركب واتجه شمالا إلي قصر الملك الجديد في الجيزة.
وعندما جاء الساحر لم يكن الملك في قاعة العرش وحيداً, بل كان معه الحاشية والحراس والملكة وأم الملك حتب ـ حرس وأولاد الملك وعد قليل من أفراد الشعب ينتظرون وصول الساحر ددي.
وعندما دخل إلي الملك, انحني يحييه وقال الملك للساحر: لماذا لم تحضر لتقابلني من قبل أيها الساحر ددي؟!.
وهنا رد عليه: عندما استدعيت يا مولاي, حضرت فوراً.
واستفسر منه خوفو عن قدرته على إعادة رقبة الإنسان مقطوعة بسحره مرة أخرى إلى مكانها
فرد عليه الساحر قائلا: نعم. أعرف ذلك يا أيها الملك, يا مولاي.
فقال جلالته: احضروا لي سجينا من السجن حتي يوقع عليه عقابه.
لكن الساحر رد علي الملك قائلا: لكن ليس على رجل, يامولاي.
ولم يغضب الملك أو يستاء من معارضة الساحر له وتحديه له أمام الجميع من الوزراء والموظفين والحاشية.
فأحضروا له إوزة وقام الساحر بإلقاء وهمهمة بعض الكلمات السحرية القليلة.
وفوجئ الجميع برأس الإوزة تنفصل عن الجسم وتطير نحو سقف قاعة العرش والجميع ينظرون إليها بذهول عجيب غير مصدقين أن هذا يمكن أن يحدث أمام أعينهم من هذا الرجل الغريب.
وبعد أن طارت الرأس إلي أعلي, وجد المشاهدون الرأس تعود مرة ثانية وتلتصق بجسم الإوزة ثم تجري خارجة إلي حظيرتها.
وانبهر الملك خوفو بهذا السحروطلب من ددي أن يكرر التجربة وكان يوما مسليا للجميع حتي أن الملك خوفو كاد ينسي الهدف الرئيسي من حضور الساحر ددي إلي القصر الملكي بالجيزة.
وهنا قال الملك خوفو للساحر: إني أفكر منذ الأيام الماضية في كيفية بناء السراديب الموصلة لحجرة الدفن,
وقيل لي من الرائين والكهنة إنني لو وصلت إلي سر الإله تحوت, فسوف أستطيع إخفاء كنوزي وجثماني حتي أعيش سعيدا كالإله رع في العالم الآخر وأبني هرما عظيما يبهر الأجيال.
وهنا رد الساحر: إن هذا السر لن تستطيع الوصول إليه, لأنه سوف يكون في متناول أطفال يولدون من سيدة تدعي رودجدت
وهؤلاء سوف يحكمون مصر.
وهنا عبس الملك, لكن الساحر طمأنه بأن هذا لن يحدث في عهدك, لأنك سوف تعيش مدة طويلة حتي تبني هرمك العظيم,
وسوف يحكم اثنان من أولادك
بعدك, بل سوف يبني حفيدك هرما بجوار هرم جده العظيم خوفو,
فانبسطبت أساريره وعاد إلي طبيعته.
وشكر الساحر علي حضوره وبدأ التفكير مرة أخرى في كيفية الوصول إلي طرق أخرى كي يعرف منها كيفية بناء هذا الهرم العظيم.
هذه ليست قصة من الخيال,
بل إنها مكتوبة بالهيراطيقية, إحدي كتابات اللغة المصرية القديمة, تعرف باسم بردية وستكار أو بردية خوفو والسحرة
وقد نشرت في العديد من المراجع والكتب الأدبية, وفيها روايات وحكايات أخري حدثت أيام سنفرو والد خوفو.
لهذا فإن الصديق المرشد السياحي الذي يحاول الخروج بقصص وهمية عن الحضارة
وتقول إن هناك برديات ترجع عمر الحضارة المصرية إلي9 آلاف عام, هذا شيء مضحك وفيه مهانة لك,
لأن هذا يثبت أنك لم تقرأ مرجعاً علمياً واحداً عن الحضارة المصرية, لأن عمر الحضارة المصرية القديمة أطول من هذا التاريخ بكثير فالعصر الحجري القديم بدأ في مصر منذ نحو700,000 عام قبل الميلاد,
وليس هذا مرتبطاً بالبرديات وإنما بالحقائق العلمية والدلائل الأثرية التي لا تقبل أدني شك, ويا ويلك لو قابلت سائحاً ممن يعرف ويقرأ عن مصر وحضارتها, فسوف يكون موقفك حرجاً للغاية.
وبردية خوفو والسحرة لم تكتب خلال عصر الدولة القديمة,
لكن كتبت بعد ذلك في عصر الدولة الوسطي إلي بعد حوالي400 عام من بناء الهرم.
وقد استطاع الكاتب الكبير نجيب محفوظ أن يحول هذا النصر إلي قصة درامية رائعة أطلق عليها عبث الأقدار وهي من أجمل الروايات التي تثبت عظمة بناة الأهرام, وجعل خوفو يبحث عن هؤلاء الأولاد, لكن استطاعت الأم أن تهرب ابنها ثم أحبته ابنة الملك, وتآمر عليه ابنه طمعاً في الحكم,
لكن هذا الطفل أنقذ الملك من الموت, وتزوج الأميرة وأصبح ملكاً على مصر, وهذا هو عبث الأقدار.
أعتقد أننا بدأنا الطريق الصحيح كي يعرف أولادنا الحضارة المصرية وعظمتها للرد علي الذين يحاولون سرقة أعز ما نملك.
وبعد ذلك لن نقف للدفاع عن الحضارة كعلماء, بل سيقف الشعب كله للدفاع عن حضارته بنفسه.
وكم كنت أتمني أن ينال هذا المسلسل الأقدار إحدي جوائز مهرجان التليفزيون الأخير.
ومما أحزنني في الفترة الأخيرة رحيل أستاذي العظيم الدكتور عبدالعزيز صالح الذي تتلمذت علي يديه وتعلمت منه تاريخ مصر القديم وأصول البحث العلمي السليم. وفي الوقت نفسه,
يخطف الموت من بيننا بعضا من شباب الأثريين الذين يتركون أولادهم في أغلب الأحيان دون سند أو حماية,
مما يزيد من الأمر صعوبة, وأذكر هنا ـ علي سبيل المثال ـ فقدنا شابا من خيرة الأثريين هو ناجي عامر,
وكذلك فقدنا الأثري محمد الطيب.
ولقد عاني العديد منهم من المرض الشديد ولم يستطيعوا دفع ثمن الدواء أو أجر المستشفي.
لذا أصبح من الضروري المطالبة بالبدء في إنشاء نقابة للأثريين يكون هدفها رعاية الأثريين اجتماعيا وعلميا,
في وقت ازداد فيه عدد الأثريين في الجامعة والمجلس الأعلي للآثار.
وهنا أود أن أوضح أن الأثريين يعملون في مجال صعب جدا,
فطبيعة عملهم تقتضي منهم الوجود داخل المقابر الأثرية القديمة المليئة بالأتربة والميكروبات الضارة, ويعملون أيضا في الصحراء ويتعرضون
للمخاطر والتيه في الصحراء, بالإضافة إلي مسئوليتهم الجسيمة عن الحفاظ علي الآثار وحمايتها والمرور عليها ليلا ونهارا, ومن مهامهم أيضا البحث وكتابة الموضوعات العلمية ومواصلة دراساتهم العليا للوقوف علي أحدث النظريات العلمية في علم المصريات حتي يكونوا مواكبين لما يحدث في العالم, وعلي الرغم من ذلك لا يتم التعامل معهم علي أساس أنهم باحثون علميون.
لذا أعتقد أن إنشاء نقابة للأثريين هو الطريق الوحيد ليس فقط لتحسين وضع الأثريين, بل أيضا لحماية آثار مصر,
لابد أن نرمم الأثريين أولا, وأعتقد أن السيد الوزير فاروق حسني قادر علي تحقيق هذا الحلم,
وخروجه إلي النور,
وسوف يسعد هذا آلاف الأثريين في كل مكان
وإلي اللقاء في قصة أهرام مصر.